حَدَّثَ فارِسُ بنَ قَيسٍ قالَ: لَمّا كُنتُ بِمِصرَ كانَ مِن أَهلِها مَن يَدعونَ لِتَحريمِ الخِتانِ وَيَدَّعونَ أَنَّهُ مِنَ الطُّغيانِ فَأَصابَني العَجَبُ لِما في قَولِهِم مِنَ البُهتانِ فَلَمّا أُتيحَ الحَديثُ إِلى أَحَدِهِم قُلتُ لَهُ: ما الَّذي دَعاكُم لِتَحريمِ الخِتانِ وَإِنكارِهِ وَتَجريم فاعِلِهِ وَإِنذارِهِ قالَ: كانَ بَعضُهُم يَجورُ فيهِ وَيُؤذي ذَويهِ فَاشتَكَتِ النِّساءُ الرِّجالَ وَقَد صاروا يَخرُجونَ إِلى غَيرِ نِسائِهِم وَجَرّوا عَلى قَومِهِمُ الوَبالَ، فَقُلتُ: أَمّا خُروجُهُم إِلى غَيرِ نِسائِهِم، أَنِساءُهُم فَقَطِ المَختوناتِ أَم هُوَ أَمرٌ مِنَ العاداتِ؟ قالَ: بَل مِنَ العاداتِ، قُلتُ: فَكُلُّهُنَّ مَختوناتٍ، فَإِذا خَرَجَ الرَّجُلُ عَن مَختونَةٍ إِلى مَختونَةٍ ما كانَ الخِتانُ الدّاعي وَإِنَّما جَفاءُ الرّاعي فَإِمّا أَنَّ لَدَيهِ قُوَّةٌ وَإِمّا أَنَّ بِها عِلَّةٌ وَفيهِما شُرِعَ التِّعدادُ أَو أَنَّهُ يَجورُ وَفي هَذا شُرِعَ الإِصلاحُ وَالإِرشادُ، فَهَذِهِ حُجَّةٌ واهِيَةٌ وَإِنَّما يَنشُدُها شَقِيٌّ جاهِلٌ وَلا يَقبَلُها تَقِيٌّ عاقِلٌ، أَمّا أَنَّ بَعضَهُم يَجورُ فيهِ فَإِنّي سائِلُكَ عَن أَشياءَ فَالحَقَّ أَجِبني، قالَ: سَل، قُلتُ: أَإِن جارَ عَلَيكَ التّاجِرُ تُحَرِّمُ الاتِّجارَ؟، قالَ: لا، قُلتُ: أَإِن جارَ عَلَيكَ البَنّاءُ تُحَرِّمُ البِناءَ؟، قالَ: لا، وَلَكِنَّ الاتِّجارَ وَالبِناءَ مِمّا شُرِعَ لَنا أَمّا الخِتانُ فَعادَةٌ وَمَن تَرَكَهُ لَم يَحِد عَنِ الجادَةِ، قُلتُ: قَد خَلَطتَ الأُمورَ وَأَوقَدتَ التَّنورَ، فَإِنَّهُ مِمّا شُرِعَ لَنا عَلى الإِباحَةِ مَعَ كَونِهِ عادَةً، وَمَن تَرَكَهُ لَم يَحِد عَنِ الجادَّةِ، قالَ: أَفصِح هَداكَ اللهُ وَأَبِن، قُلتُ: أَمّا أَنَّهُ مِمّا شَرَعَ اللهُ مَعَ كَونِهِ عادَةً فَذَلِكَ لِما أُثِرَ عَنِ النَّبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في هَذا حَيثُ قالَ : " إِذا جَلَسَ بَينَ شِعبِها الأَربَعِ – أَي أَطرافِها – وَمَسَّ الخِتانُ الخِتانَ فَقََد وَجَبَ الغُسْلُ "، وَقالَ: "الخِتانُ سُنَّةٌ لِلرِّجالِ مَكرُمَةٌ لِلنِّساءِ"، قالَ: فَمِن أَيِّ أَرضٍ أَنتَ، قُلتُ: مِنَ الجَزيرَةِ، قالَ: وَما بالُكُم لا تَختِنونَ بَناتِكُم قُلتُ: إِنّا لا نَختِنهُنَّ وَلا نُجَرِّمُ مَن أَرادَ إِذا أَجادَ، وَإِنَّما أَخَذنا بِقَولِ بَعضِ الأَئِمَّةِ بِاستِحبابِهِ وَما عَلِمنا مِن أَحَدٍ قالَ بِتَحرِيمِهِ، قالَ: فَماذا لَو أَخَذنا نَحنُ بِاستِحبابِهِ؟ قُلتُ: إِذَن لا تُجَرِّمونَ فاعِلَهُ وَلا تَبغَضونَ سائِلُهُ، قالَ: أَلَيسَ في الخِتانِ تَعَدّي عَلى الفَتاةِ وَهِيَ دُونَ الرُّشدِ بِغَيرِ رِضاها؟، قُلتُ: وَما لَكُم تَختِنونَ الصَّبِيَّ وَهُوَ دونَ الرُّشدِ بِغَيرِ رِضاهُ؟، فَتَلَعثَمَ ثُمَّ قالَ:إِنَّهُ يَكونُ غَيرَ مُمَيِّزٍ وَلا يَتَذَكَّرُ أَمّا الفَتاةُ فَتُمَيِّز وَتَتَذَكَّرُ، فَأَينَ الرَّحمَةَ في ذاكَ، ثُمَّ هَلّا كَفَفتَ أَذاكَ؟ فَأَنا لا أَرى مِنهُ مَنفَعَةً وَلا أَجِدُ فيهِ مَصلَحَةً، قُلتُ: وَيحَك، وَاللهِ لَقَد هَذَيتَ كَثيراً وقُلتَ زوراً وَأَصَبتَ بوراً وَرُمتَ سَعيراً وَدَعَوتَ ثُبوراً ، أَلا يَجِبُ عَلى الكافِرِ أَن يَختَتِنَ إِذا أَسلَمَ وَإِن كانَ شَيخاً، أَتَرمي شِرعَةَ اللهِ بِالظُّلمِ وَالجورِ؟ أَلا فَاذهَبَن غَيرُ مَأجورِ، أَلَيسَ مِن دينِنا حِفظُ الضَّرورِيّاتِ؟، فَكَيفَ يُفَرِّطُ النَّبِيُّ في شَيءٍ مِنها أَو يُقِرُّ اعتِداءَ مُسلِمٍ عَلى مُسلِمٍ فيها؟، أَلَم يَقُلِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: "إِذا خَفِضتِ فَأَشِمّي وَلا تَنهِكِ ، فَإِنَّهُ أَسرى لِلوَجهِ وَأَحظى عِندَ الزَّوجِ"، أََتَرى النَّبِيَ يُقِرُّ الاعتِداءَ عَلى نَفسِ وَجَسَدِ المُسلِمِ، ثُمَّ أَلا تَرى ما في الخِتانِ مِن وَجَعٍ وَأَلَمٍ فَإِنَّ شَريعَتَنا لا تُقِرُّ هَذا إِلّا وَفيهِ مَصلَحَةٌ وَمَنفَعَةٌ، فَقالَ: بارَكَ اللهُ فيكَ، وَاللهِ لَقَد كُنتُ أَحذو حَذوَهُم وَأَهذي هَذيَهُم حَتّى رَحِمَني اللهُ بِكَ ثُمَّ أَنشَأَ يَقولُ:
إِنَّ هَذا الدّينَ حَقٌّ = كُلُّهُ نَفعٌ وَخَيرُ
لَيسَ في الدّينِ ضِرارٌ = لَيسَ في الإِسلامِ ضُرُّ
إِن ظَنَنتَ السّوءَ فيهِ = أَو بَدا أَمرٌ يَضُرُّ
فَاتَّهِم عَقلَكَ وَاعلَم = أَنَّ في عَقلِكَ شَرُّ
إِنَّ هَذا الدّينَ حَقٌّ = كُلُّهُ نَفعٌ وَخَيرُ
لَيسَ في الدّينِ ضِرارٌ = لَيسَ في الإِسلامِ ضُرُّ
إِن ظَنَنتَ السّوءَ فيهِ = أَو بَدا أَمرٌ يَضُرُّ
فَاتَّهِم عَقلَكَ وَاعلَم = أَنَّ في عَقلِكَ شَرُّ